سورة البقرة - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16)} [البقرة: 2/ 11- 13].
ومن صفات المنافقين: إظهار الإيمان استهزاء، وإذا خلوا إلى شياطينهم وزعمائهم من اليهود وأهل الفساد قالوا لهم: إنا معكم.
قال ابن عباس: توجه أبو بكر وعمر وعلي، رضي اللّه عنهم، إلى عبد اللّه بن أبي وأصحابه من اليهود، فلما رآهم ابن أبي قال لأصحابه: انظروا كيف أردّ هؤلاء السفهاء عنكم بمعسول القول، فلما حضروا أخذ يمدحهم الواحد بعد الآخر في الدين والسّبق إلى الإسلام، فقال لأبي بكر: مرحبا بالصّدّيق شيخ الإسلام، وقال لعمر: مرحبا بسيد بني عدي الفاروق القوي في دين اللّه، وقال لعلي: مرحبا بابن عم رسول اللّه وختنه (صهره) سيد بني هاشم، ثم قال لأصحابه بعد أن انصرف هؤلاء الصحابة: كيف رأيتموني فعلت؟ فأثنوا عليه خيرا، فأنزل اللّه: {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} [2/ 14- 16]
ثم ضرب اللّه مثلين للمنافقين:
المثل الأول شبّههم بحال جماعة استضاؤوا بنار زمنا يسيرا ثم أطفأها اللّه.
والمثل الثاني صوّر انتهازيتهم وشبّههم بحال جماعة أصابهم مطر غزير، وفرحوا بالبرق والنور وقتا ما، ثم وقعوا حيارى مبهوتين حينما أظلم الأفق. فقال تعالى:


{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)} [البقرة: 2/ 17- 20].
إثبات الألوهية ورسالة النّبي صلّى اللّه عليه وسلم أوضح القرآن الكريم الفرق بين عبادة المؤمنين وعبادة المشركين، أما المشركون الذين يتخذون مع اللّه إلها آخر من الأصنام والأوثان، فيعبدون ما لا يضرّ ولا ينفع، ولا يغني من الحق شيئا، ويتركون عبادة اللّه الرّب الذي خلقهم، وخلق آباءهم من قبل، وأوجد هذا الكون سماءه وأرضه، برّه وبحره، فهل يليق بهم أن يتخذوا أندادا أو أمثالا لله عزّ وجلّ، مع أنه خلقهم وأمدّهم بنعم لا تعدّ ولا تحصى؟! أما المؤمنون فيتميزون بالعقل والبصيرة، والوفاء وعرفان الحق والجميل، ففي عبادتهم لله وحده تتحقق عبوديتهم المطلوبة لله، ومحبّتهم إياه، وتقواهم واستقامتهم على النّهج الصحيح، وشكرهم لربّهم الذي جعل لهم الأرض ممهدة للإقامة عليها مع أنها تتحرك وتدور، وجعل السماء كالقبة تظلّهم بالخير والبركة، وهي بناء محكم مع ما فيها من ملايين النجوم والكواكب، وعوالم الأفلاك والأجرام السماوية، لا يسقط منها شيء، ولا يختلّ لها نظام، وأنزل اللّه لخير العباد في صحتهم وزراعتهم ماء مباركا طيّبا ينبت به لهم الكلأ والزرع والشجر، ويغسل الجو من الغبار والجراثيم، فإله خالق هذا شأنه، ومنعم متفضل هذا ديدنه، هو المستحق للعبادة والخضوع والانقياد له لأنه مصدر الخلق والتكوين والرزق.
قال اللّه تعالى دالّا على ألوهيّته:


{يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة: 2/ 21- 22].
ثم أثبت اللّه صحة رسالة محمد صلّى اللّه عليه وسلم بما أنزل اللّه عليه من معجزة القرآن، وأن القرآن معجز، وأنه من عند اللّه، ودليل إعجازه: أن اللّه تحدى العرب الذين نزل بلغتهم أن يأتوا بسورة تماثله في البلاغة والفصاحة، ومتانة التشريع الصالح لكل زمان ومكان، ومطابقته لمكتشفات العلوم المختلفة، وإخباره بالمغيبات في الماضي والمستقبل.
فإذا شك إنسان في أن القرآن ليس من كلام اللّه فليأت بمثله، والقرآن كلام عربي من جنس ما يتكلم به العرب في خطبهم وأشعارهم وكلامهم العادي، وهم فرسان البلاغة والفصاحة، وأعلام البيان. وإذا عجزوا عن الإتيان بمثل سورة من القرآن، وهم عاجزون إلى الأبد، فليرجعوا إلى الحق، وليؤمنوا بمحمد وبما أنزل اللّه عليه من القرآن، وفي ذلك وقاية لهم من النار. قال اللّه تعالى مبيّنا إعجاز القرآن وإثبات رسالة النّبي محمد صلّى اللّه عليه وسلم:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8